الجميع
يدرك تلك الحيلة التي يتبعها المجلس العسكري برئاسة حسين طنطاوي لانقاذ أنفسهم من المحاسبة
بسبب انتمائهم العميق لنظام مبارك بل أنهم كانوا ذراعه الطولي للقضاء على اي
معارضة له داخل الجيش، وملاذه الأخير في حالة حدوث مظاهرات ضد حكمه الفاسد تخرج عن
سيطرة الشرطة، وهذه الحيلة هي فرق تسد وخلق الفتنة والوقيعة بين طوائف الشعب.
طنطاوي
هو خادم مبارك الأمين لان مبارك هو الذي قام باختياره لهذا المنصب وضمن ولائه له
طيلة هذه الفترة الطويلة التي بقاها في رئاسة وزارة الدفاع. وطنطاوي كاتم اسرار
مبارك الأمين ويعلم عنه الكثير والكثير بحكم سيطرته على جهاز المخابرات الحربية
وهو جهاز لايقل في سلطاته وتحركاته عن جهاز أمن الدولة او المخابرات العامة. وقد
اثبت طنطاوي ولائه لسيده من خلال الشهادة التي اعتبرها الثوار شهادة زور في
المحكمة عندما أعلن ان مبارك لم يصدر ايه اوامر بضرب المتظاهرين. لماذا اعتبرت
شهادة زور؟ لان شهادته تنافي العقل والمنطق. فمبارك هو من طلب من الجيش النزول الى
الشارع بعد ان استطاع الثوار ضرب جهاز الشرطة وافقاده توازنه. اذن فأوامر مبارك هنا
كانت للجيش بأن يقوم بالسيطرة على الثورة وكيف يتثنى للجيش السيطرة على الثورة
التي انقلبت الى ثورة عنيفة عندما تعاملت معها الشرطة بالعنف في 28 يناير وقامت
قناصة الداخلية والحرس الجمهوري بقتل العديد من الثوار فقام الثوار بحرق سيارات
الشرطة والاقسام. اذا كان أوامر مبارك ، الذي ثار شعبه ضده، الى الجيش بالنزول الى
الشارع للقضاء على المظاهرات العنيفة التي اسقطت جهازه الأمني. فماذا يقول المنطق
في هذا الأمر؟ أكانت اوامر مبارك بالتعامل باللين مع المتظاهرين؟ بالطبع لا. انه
تفويض من الديكتاتور بسحق الثورة؟ اذا فقد كذب طنطاوي في شهادته وفقا لقواعد المنطق.
وقد يقول قائل لماذا لم يطلق الجيش النار على المتظاهرين؟ لقد فعل الحرس الجمهوري
في بداية الامر وقتل بعض المتظاهرين فكان رد الفعل هو حرق مدرعتين من مدرعات الحرس
الجمهوري. وهنا نظر اعضاء المجلس العسكري الى ميزان القوى ووجدوه في غير مصلحتهم.
لان المواجهة لو تحولت الى حرب شوارع لخسر الجيش الذي هو قوامه 450 الف جندي وفقا
لاتفاقية كامب ديفيد نصفه على الحدود. اذا فلديك في المدن حوالي 200 الف جندي لا
تقوى على مواجهة الملايين التي نزلت الى شوارع مختلف المحافظات ولو بترسانة من
الدبابات والمدفعية فالجيش يعلم جيدا ماذا فعلت المقاومة الشعبية في الجيش
الاسرائيلي في مدن القناة. عندئذ قرر المجلس العسكري القضاء على الثورة بالحيلة.
وهذه
الحيلة تعتمد على ادعاء تنحي مبارك عن السلطة لتهدئة الشارع ، مع الحفاظ على
كرامته وعدم اهانته، وذلك من خلال جعل مبارك يحكم من وراء ستار وقيام رجاله بتنفيذ
اوامره لكن مع وجود ضغط شعبي يطالب بمحاكمة مبارك، نظر المجلس العسكري مرة اخرى
الى ميزان القوى فوجده لصالح الثوار، فقام بعمل محاكمة صورية اعتمدت على دلائل غير
كافية لادانة مبارك وذلك بتواطوء من النيابة التي قدمت في احراز قضية موقعة الجمل
سيديهات لفيلم الباشا تلميذ تمهيدا. اذا فالتواطوء واضح وستنتهي المحاكمة في نهاية
المطاف بتبرئة مبارك ونجليه لان القاضي يحكم بما امامه من مستندات وادلة وكلها غير
كافية للادانة. فقد تقتل شخصا ويراك القاضي وانت تقتل لكن ان لم يكن لديه مستندات
فسيبرئك. وهناك قاعدة تقول القاضي يحكم بما لديه من مستندات وليس بما يري بعينيه.
اذا فإن
على بابا يقيم في احد قصورة ويأتي الى المحكمة في موعد الجلسات لتكتمل التمثيلية
الهزلية التي يرسمها المجلس العسكري امام العالم الخارجي وامام المواطنين الذين لم
يشاركوا في الثورة .
وهنا
قرر جنرالات الجيش اتباع سياسة فرق تسد بعد ان وجدوا ان المواجهة المباشرة ستؤدي
الى نجاح الثورة وربما محاكمتهم جميعا بتهمة الفساد لانهم جزء من النظام السابق
ولديهم مليارات من الدولارات في الخفاء بسبب عدم الاعلان بشفافية عن دخل القوات
المسلحة من خلال مصانعها وشركاتها واراضيها ومزارعها ومعارضها ومنتجاتها من اثاثات
ومنتجات غذائية وادوات منزلية ومنافذ بيعها التي اغرقت البلاد طولا وعرضا. هذا الى
جانب المعونة العسكرية التي يتلقونها من الولايات المتحدة الامريكية ولا رقيب على
انفاقها.
وقد اتبع
المجلس العسكري سياسة فرق تسد بين الثوار انفسهم من ناحية وبين الثوار وبين
الجماهير التي لم تشارك في الثورة او من نطلق عليهم حزب الكنبة من ناحية أخرى. قام
بالتفرقة بين الثوار من خلال استقطاب بعض العناصر التي شعر بإمكانية استمالتهم
وضعف نفوسهم وقام بمنحهم مميزات. وعمل على تفكيك الثوار الى ائتلافات وكيانات
صغيرة متعدده زعم ان تشكيلها يسهل عليه الاستجابة لمطالب الثوار. ثم سعى للوقيعة بين
هذه الكيانات حتى لا تستطيع الوقوف معا في خندق واحد.
كانت
الخطوة التالية والأخطر هو العمل على الوقيعة بين افراد الشعب بما قد يؤدي الى خلق
حرب اهلية واجهاض الثورة من خلال هذه الحرب التي يعمل جاهدا على تأجيجها من خلال
اتهام الثوار بالعمالة وذلك من خلال سلسلة من المزاعم الكاذبة منها :
·
ان الثورة نجحت ويجب ترك فرصة للجيش لاحداث التغيير
الذي يراه مناسبا وليس مطالب الثورة.
·
الوقيعة بين المسلمين والمسيحيين من خلال احداث
مثل احداث اطفيح وامبابة والتي قام بتأجيجها عناصر امن الدولة المدسوسة بين
السلفيين.
·
ان الثوار الحقيقيين قد تركوا الميادين بعد يوم
28 وبعد تنحي مبارك وان من بقى في الميادين هم مأجورين وعملاء يتلقون معونات من
الخارج وهدفهم اسقاط الدولة.
·
التركيز على ان حركة 6 ابريل هي حركة عميله وذلك ربما
لانها هي اكثر الحركات تنظيما وقدرة على الحشد.
·
استخدام الشؤون المعنوية بالجيش لحرب الشائعات ضد
الثوار وادعاء ان هناك ممارسات جنسية في ميدان التحرير وتعاطي مخدرات وان هناك
بلطجية ودس بعض العناصر المشبوهة في الميدان لاثبات هذه المزاعم بالصورة.
·
ادعاء ان المنظمات الحقوقية في مصر هي جهات
مشبوهة تتلقى تمويلا من الخارج لاحداث فوضى في مصر. صحيح ان هذه المنظمات تتلقى
تمويلا من الخارج، لكنها تتلقى تمويلا مثل الذي يتلقاه المجلس العسكري من الولايات
المتحدة الامريكية. فهل هذا يعنى ان المجلس العسكري عميلا؟ ثم ان هذا التمويل يتم
تحت سمع وبصر الدولة وتتم مراقبته ومراقبه اوجه صرفه بكل شفافية. وكل ما تفعله هذه
المنظمات الحقوقية هو كشف الممارسات القمعية التي تقوم بها المؤسسة العسكرية وكافة
اذرع النظام الديكتاتوري في البلاد. وكان قرار المجلس العسكري بمداهمة 17 مقرا
لمنظمات المجتمع المدني تنفيذا لهذه السياسة واثباتا لحزب الكنبة ان هناك مأجورين
في البلاد مع ادعاء ان التمويل الاجنبي مخالف للقانون!!
·
استخدام فزاعة الاقتصاد وترك الاسعار دون مراقبة
مع ادعاء ان ارتفاع الاسعار والركود الذي سببه الفراغ الامنى الذي رعاه المجلس
العسكري من خلال تركه لجهاز الشرطة دون عمل، هو نتيجة للمظاهرات التي تطالب بتنفيذ
مطالب الثورة، لان المجلس العسكري لا يعترف من الأساس بوجود ثورة وهذا ما صرح به
العديد من أذناب الجيش من اللوءات السابقين والذين يدعون انهم خبراء استراتيجيين
وان الامر يقتصر على كونه انتفاضة وليس ثورة.
·
إستخدام الإعلام الرسمي كأداة للترويج لفكرة ان
الثورة قد نجحت ولابد لعودة الثوار لمنازلهم حتى يتثنى للمجلس إعادة انتاج النظام
القديم وهو أمر يتم من خلال تعيين وزراء ينتمون للنظام السابق وقيام لواءات الجيش بالسيطرة
على كافة مؤسسات الدولي.
·
القيام بقتل وسحل الثوار ثم ادعاء وجود طرف ثالث
يقوم بهذا الامر وهو أمر يثير من خلاله حفيظة حزب الكنبة ضد اي ثائر قد يدافع عن
نفسه في مواجهة الجيش او الشرطة مدعيا بأنهم مأجورين وكأن الثائر الحق هو من يقتل او
يسحل وهو يبتسم دون ان يقاوم أو يدافع عن نفسه اما من يقاوم فهو مأجور وصاحب اجنده
أجنبية!!
·
التحالف مع الاسلاميين وتحييدهم لفصلهم عن الثورة
في مقابل اعطائهم مكاسب مادية ودعمهم في كسب مقاعد في البرلمان حتى لا يستطيع
الثوار والليبراليين الوصول الى قدر معقول من مقاعد البرلمان يستطيعوا من خلالها
المطالبة بمحاسبة الجنرالات الفاسدين و محاكمة قتلة الثوار والرئيس المفسد الذي
قاد هذه العصبة لمدة ثلاثين عاما.
·
تأمين جانب الولايات المتحدة من خلال طمأنتها
باتباع نفس سياسة مبارك مع اسرائيل وهو ما جعل الولايات المتحدة تغض الطرف عن
ممارسات الجيش القمعية ولا تدينها. فطالما ان المجلس العسكري سيتبع نفس السياسة
وستكون له السيطرة على البلاد، وحتى على الرئيس القادم المنتخب، فليفعل المجلس
مايشاء في الداخل لان امريكا تهتم بمصالحها فقط وليس حقوق الانسان إلا بقدر ما
يخدم مصالحها.
·
الترويج لفكرة عدم امتلاك مبارك لأية أرصدة وعدم
اتخاذ اية إجراءات لاستعادة الأموال التي توجد في حسابات مبارك والممتلكات التي
توجد باسمه وأسماء أفراد عائلته في الخارج والداخل والمعاملة الخاصة التي يتعاملها
مبارك وابناءه في محبسه.
اذا فأهم
سلاح يستخدمه المجلس العسكري ضد الثورة هو محاربة الثورة من خلال استخدام سلاح البلطجية
الذي اصبح أحد أذرع جهاز الشرطة فهم يندسون في وسط المواطنين ويعملون على تأليب الشارع
المصري على الثورة والثوار من خلال ادعاء ان الثورة تؤثر على الاقتصاد وعجلة
الانتاج وتعمل على هدم الدولة وكأن الثورة تهدف الى تفتيت البلاد وهدمها وان ذلك
سيؤدي الى سقوط العمارات والمباني وسنعود للعصر الحجري. وهذا نفس ادعاء مبارك من
قبل الذي قال ان سقوطه سيؤدي الى انتشار الفوضى لانه كان يعلم كيف يخلق الفوضى
ولديه ادوات خلقها.
وهكذا
نرى ان المجلس العسكري يقوم بتنفيذ نفس الخطة التي وضعها مبارك من خلال خلق حالة
من الفوضى تقضي على الثورة من خلال:
·
تغييب الأمن،
·
خلق ازمات مفتعلة تؤثر على الحياة اليومية مثل
ازمة انابيب الغاز،
·
عدم اتخاذ ايه اجراءات لمجابهة ارتفاع اسعار
السلع
·
عدم اتخاذ ايه اجراءات لاصلاح الاقتصاد واستنزاف
الاحتياطي النقدي
·
رعاية انتخابات يترك فيها الاسلاميين يمارسون
كافة سبل الدعاية الانتخابية غير المشروعة لكسب مقاعد في البرلمان بعد التحالف
معهم والاتفاق على الدعم المتبادل.
·
دعوة المواطنين "الشرفاء" لمواجهة
"البلطجية" وكأن المجلس يوعز لكل بلطجي ان الثوار هم بلطجية وان المجلس
العسكري سيعتبر من يواجههم مواطنا شريفا.
·
قتل وخطف وتعذيب الثوار وتعرية الفتيات لترهيبهم.
·
استخدام الاعلام كوسيلة للتشكيك في نزاهة الثوار
ومطالبهم،
·
ربط الشؤون المعنوية مطالب معينة بمعاني مختلفة
مثل المطالبة باسقاط المجلس وادعاء انها تعنى اسقاط الدولة، والمطالبة بتحقيق
العدالة الاجتماعية وادعاء انها تمثل مطالب فئوية لا يجب الانتباه لها الآن،
والقيام بمظاهرات واعتصامات اعتراضا على عدم تنفيذ مطالب الثورة وادعاء ان هذه الممارسات
تعطل عجلة الانتاج.
وهكذا
فإن المجلس يسعى الى تحقيق هدف واحد وهو الوقيعة بين ابناء الشعب الواحد وهو الامر
الذي قد يقود في نهاية الامر الى وقوع مصادمات لا يعلم إلا الله مداها، وهو ما يريد
المجلس العسكري الوصول اليه للقضاء تماما على هذه الثورة التي أرادت القضاء على
الفساد لكن المجلس يقف بحكم انشاؤه وطريقة اختيار اعضائه في نفس الخندق مع حزب الفساد
والفاسدين الذي قاده مبارك لعقود طويله.
***********
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق