كان يسير على غير هدى وتصادف أن مر في شارع 26 يوليو أمام
عمارة رقم 140 ذلك المبنى الذي كان يرمز لكثير من الذكريات الكئيبة بالنسبة له. لقد
صار 140، 26 يوليو هو رمز السقوط والخيانة والخداع والانحدار الى منزلق الحقارة وضياع
ما حققه من انجازات من اجل نزوة كان يظن انها تجربة تحقق له ما كان يصبو إليه من
سعادة...وتصادف أن كان في نفس هذا المبنى لا تافرنا...ذلك المقهى الصغير ...الذي
يقبع تحت مستوى الشارع ببضعة درجات...ذلك المقهى الذي شهد النهاية المأساوية...لم
يكن ينوي في حياته أن يجلس أمام أيا من مناضده الكئيبة...لأن موقعه لا يجتذبه
والمكان خافت الاضاءة وأصوات السيارات المزعجة تقتحمه اقتحاما....لقد كان يسير أمامه
ويسخر ممن يجلسون بداخله...لأنهم أساؤوا الاختيار...لكنه أجبر إجبارا في أحد
الأيام على الجلوس فيه لأنه أساء الاختيار ولكنه أساء اختيارا من نوع آخر. إنه لم
يسىء اختيار المكان، لكنه أساء اختيار الزمان والشخوص.
سار في ذلك الشارع الذي صادقة في السنوات العشر الأخيرة
فهو طريقه اليومي من المنزل إلى العمل ولحظة العسر أن جلس مقهى تافرنا في هذا الشارع
يخرج له لسانه كل يوم ليذكره بسقطته أو يذكره بأنه لا يجب أن يثق مرة ثانية ثقة
كاملة دون بحث وتنقيب وان يتعلم الدرس.سيبقى ذلك المقهى مثل أثر الجرح الذي يظهر
على ساقه اليمنى نتيجة سقوطه على درج المنزل في أحد الأيام وهو لا لم يشب عن الطوق
لأنه كان يسير دون تركيز. لقد كانت هذه العلامة تذكره دائما انه لابد ألا يسرح
بخياله عندما يسير في الشارع حتى لا يتألم من جديد. تافرنا كان يذكره أن قلبه يجب
أن يغلق حتى لا يصاب بأثر جرح جديد تظل أثاره على جدران قلبه إلى الأبد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق