ربنا يصلح لك حالك
بعد أن إنتهيت لتوي من أحد شيفتات الإذاعة الرتيبة، نزلت
إلى الشارع كي استقل إحدى سيارات الأجرة إلى البيت. ولكنى أحسست نسيما باردا يسرى
في شارع الكورنيش وهو أمر غير معتاد في أيام الصيف الحارة هذه فقررت أن أسير إلى
المنزل حتى استمتع بهذا الجو البديع. وحملت حقيبة اللابتوب الثقيلة على كتفي،
وزجاجة المياه في يدي الأخرى ومضيت في طريقى. وبينما أنا أسير بجوار سور وزارة
الخارجية الممل الذي يخفي خلفه جمال إحدى المساحات الخضراء التي نادرا ما نراها في
تلك المدينة الخرسانية، والتي حلت محل مجموعة من المنازل الفقيرة التي كانت تؤوي
مئات من الاسر التي لا قيمه لهم في هذه الحياة فقامت الحكومة الرشيدة بإزالة
منازلهم وتحويلها الى هذا المرج الأخضر الرائع الذي يحيط بوزارة الخارجية، إذ بي
أرى عندئذ سيدة عجوز، انحنى ظهرها من ضربات الزمن، ونحل عودها بفعل ما نزل بها من
خطوب. وهي تسير ثلاث خطوات ثم تتكئ على السور الحديدي لتستريح برهة ثم تستمر في
طريقها من جديد. وراودني شعور داخلي أنها ربما تحتاج الى نقود وخاصة أنها ترتدي
ثياب قديمه. وكنت اليوم قد حصلت على مبلغ من المال مقابل عمل قمت به منذ فتره
ونسيت تلك النقود وإذا بي احصل عليها اليوم دون توقع منى. فقررت أن أتبرع بها لأنني
لم اكن أتوقعها وربما فعلت تأثيرا في حياة تلك المرأة العجوز. وكنت قد تجاوزت
السيدة العجوز ببضع خطوات فعدت مرة أخرى إليها وألقيت عليها التحية. ومددت لها يدى
لأسلم عليها وقد وضعت النقود بها فسلمت علي وما أن أحست بالنقود حتى ارتسمت على
وجهها ابتسامة اعتذار وقالت لي شكرا يابنى. أرجوك استرد المال. فقلت لها لماذا
إننى مثل ابنك وإنني أحب أن أعطيكي هذه النقود. فقالت لي ومالك أنت ياولدي وحالي
المتردي وما أعيش فيه من ضنك. ماذنبك أنت كي تعطينى هذه النقود وقد تكون في حاجة إليها.
فقلت لها إننى لست في حاجة إلى تلك النقود ثم إنني أحب ان أكون سببا في إسعادها.
فقالت لي شكرا يابنى ولكن. فقلت لها مار أيك أن تأخذي النقود وتقومي بالدعاء لي.
فقبلت وقالت لي " ربنا يصلح لك حالك". وما ان سمعت تلك الدعوة حتى
ارتعدت فرائصي وشعرت بسكينة تسري من رأسي وتنزل رويدا رويدا في جسدي حتى وصلت الى
اخمص قدمي. لا أدري ما حدث لي. لقد أشعرتنى تلك الكلمات بطمأنينة لم أشعر مثلها في
حياتي. ولماذا تدعو لي بهذه الدعوة بالذات. كيف علمت أنى في أشد الحاجة لإصلاح
الحال. لماذا لم تدعو لي بالنجاح او بكثرة المال. هل أرسل الله لي بالمال كي أعطيه
لتلك المرأة لأنها بحاجة إليه وأرسلها إلي لتدعو لي لأنني أحوج ما أكون لتلك
الدعوة التي قد يتقبلها الله لأنها صدرت من سيدة عجوز لا حول لها ولا قوة أرادت أن
تكافئ شخص تصدق عليها بشيء ولم يكن لديها شىء سوى دعوة تدعوها له. لقد ذكرنى هذا
الأمر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " داووا مرضاكم بالصدقة". أهذا
هو دواء النفس من أمراضها؟ وبعد ان تركت المرأة لحال سبيلها مضيت في طريقة وأنا
أشعر بسعادة غامرة. وسرت حتى وصلت إلى مكتبه الديوان في الزمالك. وطلبت فنجان قهوة
مضبوط وبدأت في كتابة هذه الواقعة التي سردتها . وقمت بفتح صفحة انترنت في
الخلفية. وكنت منذ عشرة سنوات قد قمت بعمل مشروع كتاب وتوقف لأننى كنت في حاجة إلى
الجلوس ووضع اللمسات النهائية عليه. وكان هذا الكتاب عبارة عن مرشدا للمترجمين.
وكنت في حاجة إلى أن أضيف إليه بعض الإضافات القليلة حتى يكتمل. وقمت بكتابة كلمة
في موضع البحث على الانترنت كي ابحث عنها، واذا بي اعثر على موقع يساعدني في
الانتهاء من كل فصول هذا الكتاب دون الحاجة الى الرجوع الى ما دونه. ولازالت تلك
العبارة تتردد في أذني "ربنا يصلح حالك"... اللهم آمين.
***
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق