السبت، 27 أغسطس 2011

صديقتي المتحولة


 

كثيرون هم الذين تحولوا بعد قيام الثورة. تحولوا من النقيض الى النقيض. صاروا مناصرين للثورة بعد ان كانوا موالين للنظام القمعي الفاسد المنحط السابق. او كانوا لايبالون بوجود هذا النظام لانه لا يؤثر عليهم بصورة مباشرة. واكثر هذه النماذج التي هالني رؤيتها صديقتى المتحولة. وهاكم قصتها. كانت صديقتى ولنسميها "نائلة" ، حتى لايعلمها البعض ممن يعرفونني، كانت تقطن احد الاحياء الراقية ليس لانها غنية ولكن لان اسرتها كانت في يوم ما اسرة ميسورة الحال لسبب او لآخر. كانت اسرة استفادت من الانظمة الفاسدة المتعاقبة فأخذت غرفة من نهر الفساد فصارت ميسورة الحال. وكانت هذه الاسرة تمد بجذورها الى عهد الباشوات فعاشت على امجاد الماضي. وعاشت في عصر انتهي فيه عصر الباشوات باكية على ذلك العصر الذي اتاح لها من الميزات ما لم يتح في العصر الحالي. ولنعود الى صديقتى نائلة. كانت نائلة تشعر بالظلم لزوال ذلك العصر الذي كانت فيه اسرتها تعيش في كنف العائلة الملكية في مصر. وبالرغم من انها لم تولد الا بعد انتهاء هذا العصر فقد كانت حكايات جدتها لامها لها تجعلها تعيش في عالم من الاحلام وتود لو انها عاشت في ذلك العصر. عاشت ناقمة على العصر وناقمة على المساواه التي حدثت بين الطبقات، اعنى تلك المساواه الصورية التي اتت بها انتفاضة العسكر في يوليو 52، والتي لم تكن سوى مساواه صورية قضى عليها عصر الانفتاح والذي جعل التدرج الطبقى يعتمد كل الاعتماد على كم الاموال التي يملكها الفرد. كانت نائلة تشعر بالسخط على هذا العصر الذي جعل من حق اي شخص ان يذهب الى الجامعة ويتعلم. كانت ترى ان الاغنياء او "اولاد الناس" كما كانت تطلق عليهم، هم فقط من يحق لهم التعليم. وباقي الناس يجب ان يصبحوا حرفيين يخدمون ولاد الناس لان الفقير اذا تعلم يشعر انه يجب ان يتساوي بالغني وهذه كارثة من وجهة نظرها. كانت تمنطق وجهة النظر هذه بان الله خلق الناس طبقات ودرجات. وان من ولد فقيرا يجب ان يظل كذلك. واخفقت كل محاولاتي لاقناعها بفساد وجهة نظرها لان الكفاءة والسلوك وليس المال هو المعيار الذي يجعل من الانسان ابن ناس او ابن حيوان من الحيوانات التي تنبح. كانت ترى ان الاغنياء يجب ان يمتلكوا المصانع والفقراء يعملون اجراء وليس لهم حق في ان يرتقوا بحياتهم اكثر من ذلك. بل لا يختلطوا بطبقة الاغنياء لانهم عجينة مختلفة. استمرت مناقشاتي معها وجدلنا معا فانفعلنا كثيرا ووصلنا الى حائط مسدود في كل مرة نتناقش فهي متشبثه برايها ولا تقبل التفكير من اجل الاقتناع بفكرة اخرى. ثم قامت الثورة. وتحول من تحول وثبت من ثبت على فكرة فاسدا كان ام صوابا. وفجأة وجدتها تحولت في كل جوانبها وهو امر ينافي منطق الاشياء. فجأة وجدتها ثورية تريد ان تشارك في كافة الوقفات الاحتجاجية، وجدتها نشطة على التويتر، وجدتها تأكل مع طبقات فقيرة على ارض احدى الحدائق. اصبحت تدافع عن العمال. اصبحت تهاجم اصحاب الثروات على التويتر. اصبحت تدعم الفقراء. ولشدة دهشتي حاولت فهم سر التحول السريع. وهل يمكن للثورة ان يكون لها هذا التأثير في النفوس. ثم هالني ما عرفت. لقد كانت تتبنى هذه الافكار حتي يقول الناس انها تدعم الثورة وليزيد عدد الفولوراز لها على التويتر. كانت تحدث كل فولوار في الموضوع الذي يحبه وتسمعه مايحب حتى يقوم بعمل ريتويت ويصل كلامها لعدد اكبر من الناس فينضموا الى الفولوارز لديها. كانت تعيش كل ليلة على امل ان ينضم اليها عدد اكبر من الفولوارز. ومظلمة تلك الليلة التي تمر دون ان ينضم احد. كانت تدعي في كل مكان انها كانت في ميدان التحرير اثناء الثورة وهي التي لم تذهب الى هناك الى عابرة سبيل مرة او مرتان طيلة الثورة. وعندما ناقشتها في كيفية تحول افكارها بخصوص الاغنياء والفقراء حاولت ايجاد حل وسط للموضوع وقالت يجب ان يحصل الفقراء على حقوقهم ولا بأس في ان يتعلموا ولكن هذا لايعنى ان الرؤوس ستتساوي. فأدركت سريعا انها من المتحولين. غير انى افهم لماذا يتحول المتحولون وفي غالب الاحيان يكون ذلك لتحقيق مصلحة مادية او الحصول على منصب او الاستمرار فيه. اما صديقتى المتحولة فكانت تسعى الى كسب اعجاب الناس. عجيبة هي الناس، وعجيبة هي طرق تفكيرهم وتقديرهم للامور، وكيف تهدف حركة الانسان في الحياة احيانا اخرى الى تحقيق هدف هزيل لا يرقى لمرتبه الاهداف.


*****************