السبت، 8 مارس 2014

إبرد علشان مصر تِدفى

"إبرد علشان تسيب البطانية لغيرك...كل قطعة خبز واترك الباقي لمن حولك"...من الممكن تقبل هذا المنطق بين مجموعة من الناس تاهوا في ربوع سيبريا وتقطعت بهم السبل فيحرمون أنفسهم من القليل حتى يحافظوا على حياتهم الى ان تصل إليهم فرق الانقاذ. لكن هذا المنطق لا يصح تطبيقه على شعب يتعرض لأزمة مالية وتتوافر لديه كثير من الموارد التي تدار بصورة سيئة وخاطئة ولاتزال بعض الشخصيات الكبرى فيه تتقاضي رواتب خيالية.

عندما سمعت المشير السيسي يتحدث إلى مجموعة من الأطباء وسط قيادات القوات المسلحة ويقول أننا يجب أن نضحي من أجل مصر بدأت أقلق على مستقبل مصر. الرجل يتحدث بنفس اسلوب مبارك الذي يشير دائما إلى اننا لا نستطيع ان نقوم بأفضل مما هو قائم لأننا لا نمتلك الموارد الكافية. الرجل يدعو المصريين للسير على اقدامهم حتى يوفروا مكانا في الاتوبيس لغيرهم.

تحدث السيسي للأطباء عن وجوب تشخيص المرض بصورة صحيحة حتى يمكن علاجه بصورة صحيحة. لكن المثال الذي ساقة بعد ذلك عن ميزانية الدولة المخصصة للرعاية الصحية لم يكن مثالا صحيحا. فقد قال "لو افترضنا ان تكلفة علاج الفرد 10000 مضروبة في 90 مليون اذا فنحن في حاجة الى 90 مليار جنيه. وعندما يذهب شخص الى المستشفى ويطالب بوجود خدمات نقوله منين؟؟" لقد افترض السيد المشير ان التسعين مليون مصري سيمرضون في نفس اللحظة. وهذه فكرة خاطئة. مفهوم الرعاية الصحية مثل مفهوم التأمينات الاجتماعية. الكثير من الموظفين والعاملين يدفعون نسبة من مرتباتهم التي توجه لخدمة هذا القطاع ويستفيد منها الجميع الى جانب دعم الدولة لهذا القطاع ايضا. يتم استثمار هذه الأموال وتقدم الرعاية الصحية لمن يمرض في وقت ما.

إن وظيفة الطبيب ليست تشخيص المرض وتوجيه اللوم للمريض ومطالبته بالصبر على المرض لأنه لا يوجد علاج. لكن وظيفته ان يقدم له العلاج لمشكلته وإن لم يفلح قدم علاجا آخر وإلا لما كانت هناك أهمية لوجود الطبيب ولكان من الافضل على المريض البقاء بلا طبيب أو أن يبقى جاهلا بمرضه.

بناء الأوطان لا يقوم على تضحيات أجيال حتى تعيش أجيال أخرى فهذه ليست حرب في ميدان معركة ولو كان الوضع كذلك، ولو صحت نظرية التضحية، لكنا الآن نعيش في أزهي عصور الرغد والسعة بعد ان ضحت أجيال وأجيال في مصر وعانت كثيرا وعاشت في ظل ظروف اقتصادية طاحنة ومرت بحروب قضت على اقتصادها. لكن المؤسف أن تعاقبت علينا حكومات وأنظمة فاسدة أسائت إدارة البلاد ونهبت خيراتها فجعلت الأجيال اللاحقة تعاني هي الأخرى. فضحينا بالأجيال الأولى والأجيال اللاحقة من أجل لا شىء. بناء الأوطان يقوم على حسن إدارة الموارد المتاحة وتوليد موارد اضافية والابتكار والنهوض بالبلاد من خلال الموارد المتاحة وتحسين مستوى المواطن وليس حرمانه من هذه الموارد لاستثمارها لصالح الاجيال المستقبلية.

إذا لم تكن الحكومة والرئيس قادرين على الابداع وابتكار طرق جديدة لحل المشكلات والنهوض بالاقتصاد فمن الأجدر بهم ترك الساحة لمن هو أفضل او الاستعانة بخبراء بدلا من اللجوء الى نظرية الفهلوة المصرية وادعاء المعرفة بكل شىء.

إن وجود المشكلة ليس خطأ الشعب، كما تحاول ان تصور  لنا بعض القيادات الفاشلة، ولكنه خطأ الإدارة الفاشلة التي لا تستطيع أن تجد الحلول فتلوم الشعب على كل المشكلات. سمعنا مبارك يلوم الشعب بسبب الزيادة السكانية وهو يقول "أجيب منين"...قد تكون الموارد المتاحة قليلة وهناك زيادة سكانية كبيرة وهذه الموارد لا تكفي. إن وظيفة الحكومات والرؤساء ليست تشخيص المشكلات والخروج على المواطنين وابلاغهم ان هذه المشكلات لا يمكن حلها ولكن وظيفتهم ان يجدوا حلولا قصيرة المدى وحلولا طويلة المدى. الإدارة الناجحة تستطيع ان تجعل القوى البشرية طاقة منتجة وتستطيع ان تعظم الموارد وإلا فما الحاجة الى وجود تلك الإدارة؟ ياسادة نحن لسنا بحاجة لمن يلقي اللوم علينا؛ نحن في حاجة لمن يخرجنا من الأزمة، لا لمن يجعلنا نمر بمزيد من المعاناة ويزيد الطين بله بأن يلومنا على ما نحن فيه من بؤس.


****